نبأ تايمز / العين الإخبارية
بدأ العام الحالي بظروف مواتية للاقتصاد العالمي مع تراجع اختناقات سلاسل الإمداد وتراجع التضخم وتلاشي حالة الكآبة المرتبطة بجائحة كورونا.
وينتهي عام 2023، وفي الأفق تتجمع سحب قوية فوق صناعة النقل البحري وتجارة التجزئة التي تعتمد عليها في ظل أزمتي أكبر ممرين ملاحيين تجاريين في العالم.
ورغم أن أسباب الأزمتين مختلفة تماما، فإن التداعيات على الاقتصاد العالمي واحدة في شدتها.
باب المندب
ففي باب المندب الذي يربط بين المحيط الهندي والبحر الأحمر تهاجم جماعة الحوثي اليمنية السفن التجارية المتجهة إلى إسرائيل عبر البحر الأحمر، دعما للفلسطينيين في حربهم مع إسرائيل.
هذه الهجمات أدت إلى تحويل السفن التجارية طريقها من البحر الأحمر وقناة السويس في مصر إلى طريق رأس الرجاء الصالح عبر أفريقيا، والذي كان يستخدم حتى منتصف القرن التاسع عشر عند افتتاح قناة السويس.
وعلى بعد 7200 كيلومتر إلى الغرب من قناة السويس تواجه حركة الملاحة البحرية العالمية أزمة أخرى في قناة بنما بأمريكا الوسطى، ولكن نتيجة موجة الجفاف التي تضرب المنطقة وأدت إلى انخفاض منسوب المياه في القناة، وبالتالي انخفاض كبير في عدد السفن التي يمكنها المرور عبرها.
180 سفينة حاويات غيرت مسارها
وفي تحقيق نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء قال الكاتب برندان موراي إن حوالي 180 سفينة حاويات غيرت مسارها بعيدا عن البحر الأحمر وقناة السويس لتدور حول أفريقيا أو توقفت تماما عن الحركة انتظارا لأي تعليمات جديدة بهدف تجنب هجمات الحوثيين، بحسب بيانات شركة مراقبة حركة الشحن البحري فليكس بورت يوم الأربعاء الماضي، والمؤكد أن مئات السفن الأخرى ستحذو حذوها إذا لم تتمكن الدول الغربية من تأمين حركة الملاحة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، والتي تعهد الحوثيون باستمرار مهاجمة السفن المتجهة إلى إسرائيل عبر المضيق، حتى يتم رفع الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة الفلسطيني. في الوقت نفسه حولت الكثير من السفن التجارية طريقها بعيدا عن قناة بنما منذ أسابيع بسبب انخفاض مناسيب المياه.
هذه الأزمات أعادت حركة النقل البحري في العالم إلى القرن الثامن عشر، على حد وصف كاتب بلومبرغ، وهو ما يعني مشكلات هائلة للاقتصاد العالمي نتيجة ارتفاع تكاليف النقل وتأخر وصول البضائع أسابيع إضافية، كما سيؤثر هذا الاضطراب على نشاط شركات الخدمات اللوجسيتية البرية التي يرتبط عملها بوجود جداول منضبطة للنقل البحري.
وبحسب مؤشر ديروري العالمي لأسعار نقل الحاويات، فإن تكلفة نقل السلع في الحاوية القياسية مقاس 40 قدم مكعبة من آسيا إلى شمال أوروبا ارتفعت خلال الأسبوع الماضي بنسبة 16%، وسترتفع خلال الشهر الحالي ككل بنسبة 41%. كما قفزت فواتير وقود سفن الشحن، في حين قالت شركات نفط وناقلات كبرى إنها ستتجنب المرور من جنوب البحر الأحمر.
من البحر الأحمر إلى قناة بنما
ويعتبر توقيت الأزمة الحالية في كل من البحر الأحمر وقناة بنما عنصرا إضافية لزيادة حدة التداعيات، حيث جاءت في أحد أكثر أوقات السنة طلبا على الصادرات من الصين، سواء لإعادة تكوين مخزونات متاجر التجزئة بعد موسم تسوق عيد الميلاد ورأس السنة وقبل أن تغلق المصانع الصينية أبوابها بسبب العطلة الطويلة لرأس السنة القمرية الصينية في شباط/فبراير المقبل.
شركات عالمية تودع البحر الأحمر مؤقتا.. آخرها «بريتش بتروليوم» و«إيفرغرين»
وتدرس شركات النقل البحري خياراتها بما في ذلك العودة إلى طرق القرن الثامن عشر قبل شق قناتي بنما والسويس، اللتين قلصتا المسافة بين آسيا وكل من أمريكا الشمالية وأوروبا.
ونقلت بلومبرغ عن مسؤول في شركة خدمات لوجيستية كبرى قوله إن أصحاب الشحنات بدأوا يطالبون بدراسة كل الخيارات المتاحة لتجنب المرور من قناتي السويس وبنما، بما في ذلك استخدام الشحن الجوي، رغم ارتفاع أسعاره بشدة مؤخرا.
وطبقا لرسالة بريد إلكتروني تم إرسالها إلى الموردين واطلعت عليها بلومبرغ تعتزم شركة أبركرومبي أند فيتش لمتاجر الملابس اللجوء إلى الشحن الجوي، لتجنب الاضطرابات في حركة الملاحة البحرية.
وتقول الشركة إن الخطوط الملاحية عبر البحر الأحمر كانت مهمة جدا بالنسبة لعملياتها لأن كل شحناتها التي تأتي من الهند وسريلانكا وبنغلاديش تمر عبر هذا الطريق لتصل إلى الولايات المتحدة. كما حذرت شركة متاجر الأثاث السويدية آيكيا من حدوث نقص في بعض المنتجات في متاجرها بسبب مشكلات الملاحة في البحر الأحمر.
طريق رأس الرجاء الصالح
في الوقت نفسه فإن السفن التي تدور حول رأس الرجاء الصالح تحتاج إلى 60 يوما للوصول من الصين إلى أوروبا، في حين تحتاج 40 يوما فقط في حال استخدام قناة السويس، بحسب إريك مارتن نيوفل النائب التنفيذي لشركة الشحن جيوديز، الذي أضاف أن التكلفة تزيد بمقدار 4 أو 5 مرات عند الدوران حول أفريقيا بدلا من عبور قناة السويس. كما أن تكلفة الشحن الجوي أعلى كثيرا من تكلفة النقل البحري للسلع.
وبحسب تحقيق بلومبرغ فإنه لا يبدو أن هناك حلا خلال هذه الأيام لأزمتي البحر الأحمر وقناة بنما. فالحوثيون تعهدوا باستمرار استهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل رغم قيادة الولايات المتحدة تحالفا دوليا يهدف إلى حماية حركة السفن التجارية في البحر الأحمر تحت اسم “حارس الازدهار”، لأن شركات الملاحة ستفضل الانتظار لرؤية مدى فاعلية نشر السفن الحربية لدول التحالف في حماية حركة السفن التجارية في المنطقة قبل أن تعود للعبور من البحر الأحمر.
بنما والطقس
أما أزمة قناة بنما المرتبطة بالطقس فمن غير المحتمل أن تتحسن الأمور قبل نهاية فبراير/شباط على الأقل.
وأخيرا يقول راهول كابور، رئيس إدارة أبحاث وتحليلات النقل البحري في مؤسسة إس أند بي جلوبال للاستشارات، إن التكلفة الاقتصادية لأزمتي باب المندب وقناة بنما ستزيد حتى تعود السفن للعبور من البحر الأحمر وقناة السويس وقناة بنما بشكل طبيعي، في حين يمكن أن يحد ضعف الطلب الاستهلاكي في العالم حاليا من نسب الزيادة في أسعار الشحن البحري.
وفي مقابلة مع تلفزيون بلومبرغ قال كابور “خلل السنوات القليلة الماضية رأينا أن التوترات الجيوسياسية والصراعات أصبحت خطرا متزايدا يهدد التجارة العالمية”